17 - 07 - 2024

ترنيمة عشق | ليست كأي هدنة مما تعدون!

ترنيمة عشق | ليست كأي هدنة مما تعدون!

الهدنة وما أدراك ما الهدنة.. فهي بفلسطين ليست كأي هدنة شهدتها الإنسانيّة.. وهل بالعالَم دولة تشبه فلسطيننا؟! الهدنة في ذلك الوطن الشّريف المقدّس مزيد من الدّمع المذروف واجترار للأحزان ومعاناة للفقد الأليم.

فبعض الفلسطينيين سيعملون بدأبٍ في دفن شهدائهم ويهيلون عليهم التُراب مصحوبًا بآهات تهتز لها السّموات والعرش العظيم. 

والبعض يبذل المزيد من المحاولات والمحاولات المُضنية للبحث عن مفقودين تحت الأنقاض والأمل يداعبه أن يجدهم أحياء. 

وآخرون يحملون الجرحىٰ في محاولة يائسة بائسة لعلاجهم بشكل بدائيّ بعد تهدم المشافي واستشهاد الأطقم الطّبية وتحطم سيارات الإسعاف.

وغيرهم يجمعون أشلاء بقايا أعضاء.. بقايا عظام - كانت تسعىٰ منذ قليل - من هنا وهناك حيث اختلطت بقايا الآدميين ببقايا حيوانات ذات نبلٍ ووفاءٍ آبت أن تفارق أصحابها في محياهم ومماتهم.

وعديدون يحاولون العودة لديارهم لعل ما بقي منها أو مجرد حائط مائل يريد أن ينقض يسترهم في ليالي الشّتاء القارسة القادمة.. أو يحدوهم الأمل فيجدون فضلات معيشية تعينهم على مصاعب الأيام القادمة.. فيعودون محملين برائحة الموت وحده دون سواه. 

وكثيرون سيقضون "الهدنة" يكفكفون دموع الأطفال الصّغار - وقد كبروا خلال تلك الأيام النَحسات - الذين فقدوا ذويهم فيها وينتظرهم مجهول لا يعلمه إلا الله.

وأناس ستفيق لحالها لتتأكد أنّه بالفعل قد بُترت أطرافهم ليعيشوا بقية حياتهم بعجز كليّ أو جزئيّ ومدامع لن تجف أبدًا.

ستتواصل صرخات الأم المكلومة التي فقدت أطفالها قبل أن يتناولوا طعام العشاء.. فماتوا جوعى، وكانت تتمنى أن يشبعوا قبل الرّحيل.. تنتظر المسكينة الهدنة لتبحث عنهم بجنون.. ولا تملك غير أظافرها وسيلة.

سنبقى طويلا نرهف السّمع لطفلة تصرخ بذهول تعد من مات من عائلتها حتى تتعب من العد.. ثم لا تجد غير أخيها الذي يصغرها فتطمئننا بأنه سندها وظهرها في هذه الحياة.

هي دوامة من الآلام والمواجع والفواجع لا تكفيها أربعة أيام.. بل تحتاج أربعة أجيال يتوارثون مرارتها وحنظلها.. وأشك أنهم قادرون على استيعابها. 

أتعسهم حظًّا.. ذلك القاعد على تل ركام شاهق يرقب كل تلك المشاهد والتّفاصيل المُمِضّة.. فلا يحتاج لقرطاس وقلم وكاميرا هاتف - لن يجدها بالطبع -  ليدونها ويلتقطها لأنها باتت محفورة بخنجر في صدره.. فإن لم تصدقوا فشُقّوا عن صدره لتتبينوا صدق كلامي حين ترون قصائد الرّثاء المعلقة بجدران قلبه. 

لك الله يا غزّة..

لكن في وسط هذا الفزع الهائل والهول الطّائل.. ألن نرى ابتسامة وفرحة بالهدنة ؟!

بالطّبع سنلمح فرحة أبٍ عثر على أشلاء أطفاله حامدًا ربّه، يسارع بدفنهم قبل تحلل أجسادهم.

سنجد ابتسامة على وجه آخر عثر على جثمان أُمّه واطمأن لأن حجابها رغم تمزقه واتساخه ما يزال يواري عورتها قبل أن يواريها ركام الأنقاض.. فيحملها ولدها مسرعًا ليواريها تراب المقبرة.. ستْرٌ ثلاث.. فيحمد ربه على السّتر في الدّارين.

سنلمح تنهيدة حزن وراحة تشق صدر زوجة عثرت على زوجها يحتضن أطفالهما وقد طالت أرواحهم رحمةُ ربك.. فوقىٰ تلك المكلومة عناء البحث تحت الأنقاض.. وأنّى لها القدرة على رفع الصّخور والحوائط الثّقال المُنقضّة ؟!

سنسمع تكبيرة وتهليلة وحمدًا لله من أخ عرف جثة أخته الصّبية من ضفيرتها الشقراء الملساء الطّويلة.. فأسرع يسترها قبل أن يراها الشّباب لأنه يغار عليها. 

ستتهادى لمسامعنا زغرودة أُم تقطّعت أصابعها وهي تبحث بجنون عن صورة جماعية لها ولأسرتها وقد تحطم إطارها ولكن الصّورة الورقية عاندت الزّمن وبقيت كشاهد وحيد على أن تلك المرأة كان لديها زوج وأطفال وأحلام.

سنرى ابتسامة رضا على وجه شهيد رأى مكانته في الجنة رأي العين .. رضًا بما صنع.

حتى الدّبكة الفلسطيني.. سنراهم يؤدونها.. فهذا شعب عنيد جبّار مُحب للحياة.. يدفن شهداءه بالنّهار حاملًا سلاحه راشقًا عدوه.. وفي الليل يرقص الدّبكة بكبرياء متعاليًا على أوجاعه ويغني بحزنه النبيل المعهود مواصلًا النّضال والتّضحيات: أنا دمي فلسطيني.
------------------
بقلم: حورية عبيدة

مقالات اخرى للكاتب

ترنيمة عشق | حتىٰ أنت يا بروتس ؟!